ترميم صيدلية دير المخلص، نشاط في قلب متحف الاراضي المقدسة
لأول مرة تم عرض الصيدلية في المتحف السابق لـ Studium Biblicum Franciscanum (SBF)، في دير الجلد في القدس، حيث تمت إزالة الصيدلية من المعرض في عام 2013 عندما تم إطلاق الأعمال الأولى لمشروع متحف الاراضي المقدسة، المتحف الجديد لحراسة الأراضي المقدسة، المخصص لقسم التاريخ المسيحي. تنتمي الصيدلية الآن إلى القسم التاريخي المستقبلي الذي من المفترض أن تفتح أبوابه في عام 2023، وسيتم نقل الصيدلية هذه المرة إلى دير -المخلص، وبالتالي تعود إلى مكانها الأصلي، وسيتم عرضها في سينوغرافيا جديدة بالكامل تقترب من تفاصيل عرضها التاريخي.
ولكن قبل التمكن من عرضها مرة أخرى، هناك مرحلة مهمة في الحفاظ على هذه المجموعة الفريدة (التي تضم أكثر من 400 قطعة!) وهي: ترميمها.
ما الذي تتكون منه عملية الترميم، وخاصة صيدلية دير المخلص؟ ولماذا تعد هذه الخطوة ضرورية؟
العودة إلى هذا النشاط المركزي للمتاحف في ثلاثة أسئلة تفصيلية.
ما هي المراحل الرئيسية للترميم؟
قبل أي تدخل، يجب فحص القطعة التي سوف يتم ترميمها، ويبلغنا المرمم عن حاله القطعة. تعتبر مرحلة المراقبة الأولية حاسمة لأن هذه الخطوة ستحدد كيفية عمليه الترميم. وهكذا يتم فحص الجسم في حالته العامة من أجل تحديد أي ضرر (رقائق، شقوق، أجزاء مفقودة، ولكن أيضًا تغيرات في اللون أو حتى إصلاحات لاحقة)، ولكن أيضًا في تفاصيله الدقيقة لمعرفة تكوينه. في هذه المرحلة يمكن تحليل المواد والمنتجات المختلفة التي تم اختبارها على العينات المأخوذة للتأكد من أن الجزء يتفاعل بشكل جيد مع المادة لإكمال عمليه الترميم. بالطبع، اعتمادًا على القطعة المراد ترميمها، يُقال لنا إن هذا الأمر معقد إلى حد ما، فعلى سبيل المثال: الصبغات المستخدمة في الرسم تكون أكثر حساسية للعوامل الخارجية. أما بالنسبة للمواد الأثرية أو الفخار، تكون مواد الإنتاج متشابهة الى حد ما، فالخبرة تجعل من الممكن العثور بسرعة على المنتجات الأكثر ملاءمة.
ما بالنسبة لجرار صيدلية دير المخلص، هناك صعوبة أحيانًا في التحليل بسبب وجود قطعة كاملة مفقودة، على مستوى هيكلها (فعلى سبيل المثال، وجود كسر في المقبض) أو زخرفة القطعة. تكمن المشكلة بعد ذلك في إعادة بناء هذا الجزء المفقود، مع مراعاة الحد الأقصى للشكل العام للقطعة، ومنحنياته، وألوانه، وتأثيرات الملمس… والتي يمكن أن تكون في بعض الأحيان تحديًا حقيقيًا. في حالة عدم وجود النماذج أو قوالب المنشأ الأصلية، يتعين على المرمم إعادة إنشاء هذا الجزء المفقود من جميع المصادر الموجودة تحت تصرفه (المنشورات الأكاديمية، والمحفوظات، والقطع الأصلية الأخرى إن وجدت…). بخصوص صيدلية دير المخلص، لقد سمح لنا العدد الكبير من الجرار المحفوظة من خلال المقارنة بإنشاء نموذج مرضٍ بسرعة كبيرة. فعلى الرغم من ذلك، هناك عدة محاولات ضرورية دائمًا لإنتاج عدة عينات يتم تقييمها واختيارها بعد ذلك بالاتفاق مع الفريق العلمي للمتحف.
أخيرًا، تهدف المناقشة النهائية في هذه المرحلة أيضًا إلى تحليل بيئة العرض. بنفس القدر من الأهمية، يهدف هذا العمل إلى توقع حاله التدهور التي ستخضع لها القطعة بعد ترميمها وذلك لمنع الضرر المستقبلي. على سبيل المثال، هل سيتم عرض القطعة في الداخل أو الخارج وهل ستلامس الرياح أم الأمطار؟ هل ستتم حماية القطعة من التلاعب؟ أم أنها ستتعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية أو فلاش كاميرات الحجاج؟
بعد هذه المرحلة الإعدادية الطويلة يمكن أن تبدأ عملية الترميم.
تُستخدم إحدى المواد بشكل خاص في الصيدلية: كالجص الذي تم الحصول عليه من خليط الجبس ومستحلب أكريليك بسبب كونه أقرب إلى مادة هيكل المزهريات بتكوينه ولونه الأبيض. يستخدم الجص لجميع حالات وجود بعض الشظايا والشقوق والأجزاء الناقصة: يعمل كبديل لعجينة الطين ويعمل على سد الفجوات. بالإضافة إلى ذلك، بفضل مستحلب الأكريليك، يصبح الجص أكثر صلابة عندما يجف ويتم تعزيز التصاقه بالهيكل الأصلي.
بعد ذلك، بالنسبة للأجزاء التي تتطلب إعادة إنتاج الزخرفة المطلية، يتم تطبيق طبقة من الصبغ عالية الجودة تعتمد على الغواش. في النهاية، يتم تغطية القطعة بأكملها بماده صمغيه من الإكرليك. تحمي هذه الطبقة النهائية كل شيء من البيئة الخارجية، بما في ذلك ومضات الأشعة فوق البنفسجية، وتعيد إنتاج التأثير اللامع للسطح الأصلي.
لكن ألا توجد مخاطرة في إخفاء تاريخ القطع أثناء ترميمها؟
في الواقع، إذا كان الاهتمام بعرض القطع يأتي من التاريخ الذي يحملونه للأجيال القادمة، ليس هو من المفروض بأن نتركهم كما وصلوا إلينا؟ غالبًا ما يكون السياق الأصلي لكل قطعة هو العنصر الرئيسي في الخطاب. إن سياق تاريخها، واستخدامها وبالتالي تدهورها جزء مهم بالضرورة، وبالتالي قد يبدو من المنطقي تركها لمعرفة الجميع.
وبالتالي دائمًا ما يتم التساؤل عن أهمية الترميم (ربما باستثناء الحالة التي تكون فيها سلامة القطعة مهددة حقًا) ولم يتم تسوية الجدل بشكل نهائي بين مؤيدي الترميم من أجل ترميم كامل وغير مرئي للقطعة أو استعادة الترميم كحد أدنى مرئي.
من الواضح أن مشروع تنظيم المتحف (موزيوغرافيك) يلعب دور مهم في عملية صنع القرار (هل يتم عرض القطعة بمفردها أو كملحق لمجموعة أكبر، لسياق أصله الدقيق أو في إعادة بناءه؟). أيضًا، يتم إجراء خيارات إعادة الترميم على أساس كل حالة على حدة سواء، بالرغم أنه في ميثاق البندقية لعام 1964 يميل السلوك في جميع الحالات إلى العمل في اتجاه التوفيق بين الأصل الثابت لكل قطعه (لمحاربة أي ترميم تعسفي، كان أكثر شيوعًا في القرن التاسع عشر).
فيما يتعلق بصيدلية دير- المخلص، فقد تم اتخاذ القرار لتجسيدها بقدر الإمكان لأقرب حاله لها، والتي يشهد عليها الأرشيف [1]. لذلك فإن الاهتمام بالترميم له ما يبرره أيضًا في الرغبة في تقديم تجربة غامرة في صيدلية تمت إعادة إنشاؤها، على عكس العرض النمطي الذي تميز به متحف SBF السابق في دير الجلد. وبالتالي فإن هناك وحدة معينة ضرورية، خاصة وإن تقديم خزف غير مكتمل يمثل في نهاية المطاف القليل من الاهتمام العلمي.
ولكن على الرغم من دقه الترميم والتحفظ أثناء العمل، فستظل هذه الترميمات مرئية. باعتماد موقع للوسائط المتعددة، في الواقع، يوفر مشروع المتحف لهذه الصيدلية بالتوازي مع إعادة بناء مخلصة وكاملة، يمكننا رؤيته الأعمال المختلفة التي خضعت لها هذه المزهريات بشكل فردي مع مرور الوقت منذ بداية الإصلاحات الأولى من قبل الرهبان الفرنسيسكان حتى الترميمات المهنية المعاصرة.
أخيرًا، هل تؤثر عمليه الترميم على القطعة فقط؟
إن أولوية أي ترميم هي القطعة بالتأكيد، سواء كان ذلك لاستعادته إلى شكله الأصلي، أو لمعانه، أو الحفاظ على حالته من التدهور المستقبلي. ومع ذلك، من الواضح ملاحظاتنا الأخيرة أن تأثير الترميم يكون محسوسًا على نطاق أوسع بكثير من تأثيره على القطعة على حد سواء. نظرًا لأن الترميم يعمل مباشرة على القطعة بشكل خاص، سواء كأن مرئيًا أم لا، فإنه يعمل على ما نفهمه من العمل. لذلك، فإن تجربة الزائر للقطعة تتشكل أيضًا من خلال الترميم. لكي نكون على دراية بهذا الأمر، يجب أن ندرك أن المتحف ليس مساحة عرض محايدة وأيضًا إلى أي مدى يعتبر الترميم نشاطًا بحد ذاته لمشروع المتحف.
علاوة على ذلك في هذا المعنى، وهو اتجاه شفافية الأنشطة ومشروع المتحف، كانت المتاحف تتقدم تدريجياً على مدار العشرين عامًا الماضية، من خلال عرض الكواليس ليراها الجميع. ولكن يجب أن يكون مفهوماً أن هذه الرغبة في الشفافية هي أيضًا وسيلة للتواصل بحرية أكبر سواء فيما يتعلق بنشاطات المتحف وبشأن الخيارات العلمية وقرارات سياسية المتحف، والدفاع العلني عنه (للجمهور وكذلك الداعمين له).
غالبًا ما نتعامل مع المتحف فقط من خلال الجزء المرئي من جبل الجليد، بمعنى آخر مساحات العرض الخاصة به. إن حقيقة نشاطها دائمًا ما تكون أكثر تعقيدًا قليلاً. لكل ذلك، وبالنظر عن كثب، كما هو الحال بالنسبة للعرض المستقبلي لصيدلية دير المخلص، يمكن لكل شخص أن يتعلم الكثير عن العمل والقرارات التي تنبع منها هذه المعارض.
نظرًا لأنه يقع على مفترق طرق عدة أسئلة (تقنية وعلمية وسياسية)، فإن الترميم عملية أساسية في أنشطة المتحف. لكن تم الكشف عنها في نفس الوقت على أنها فريدة تمامًا، لأنها، أكثر من أي شيء آخر، هي جسر بين التخصصات العلمية التي تبدو للوهلة الأولى بعيدة جدًا: علم الآثار والتاريخ وتاريخ الفن من ناحية والفيزياء والكيمياء من ناحية أخرى
تُرجم من اللغة الفرنسية من قبل الآنسة ديما مسلَّم –
[1] تأسست الصيدلية في القرن الرابع عشر واستمرت حتى عام 1917. خلال كل هذه السنوات تغير شكلها وتكوينها كثيرًا. تعود أقدم الارشيفات المرئية المتاحة لحراسة الأراضي المقدسة إلى نهاية القرن التاسع عشر فقط. لذلك تم الاحتفاظ بهذه الحالة خاصةً لأنها الأقرب إلى ترتيبها الأخير.